Screenshot 20241228 131025 Facebook

سوريا الطبيعية

نقلاً عن باسنیوز

جومرد حمدوش

حديث أحمد الشرع، المعروف بالجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، عن “سوريا الطبيعية” يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول مستقبل البلاد وشكل الحكم المتوقع. إجابته المبهمة خلال مقابلة مع مراسل CNN، حيث تهرب من تحديد ما إذا كانت سوريا المستقبل ستصبح دولة إسلامية راديكالية، وعدم استخدامه مصطلح “الديمقراطية” إطلاقًا، يزيد المخاوف من احتمال اتجاه البلاد نحو نموذج حكم ديني قائم على الشريعة الإسلامية. هذا السيناريو، إذا تحقق، قد يضع سوريا على طريق الانهيار وأفغنة المنطقة.
حين اكتفى الجولاني بالقول إن سوريا ستكون “سوريا الطبيعية”، دون تحديد ماهية هذا المصطلح، بدا وكأنه يهرب من طرح رؤية سياسية واضحة. استخدام هذا التعبير المراوغ يعكس عدم استعداده لتقديم التزامات ملموسة بشأن قضايا أساسية مثل الديمقراطية، التعددية، وحقوق الإنسان.

هذا الغموض يعزز المخاوف من أن هيئة تحرير الشام تسعى لتأسيس دولة ذات طابع ديني، حيث تُفرض القوانين بناءً على تفسير معين للشريعة الإسلامية. تصريحات الجولاني عن الحجاب، حيث طلب من فتاة أن تغطي رأسها مبررًا ذلك بـ”الحرية الشخصية”، ثم قوله إن هذا الموضوع تحدده “الثقافة العامة والقانون”، يثير تساؤلات عما إذا كان يخطط لفرض الحجاب بالقانون، على غرار ما يحدث في إيران.

رغم زعمه أن الكورد جزء من المجتمع السوري و أنهم تعرضوا للظلم، لم يقدم الجولاني أي رؤية واضحة حول حقوق الكورد أو قضاياهم العالقة مثل إعادة الجنسية للمجردين منها بسبب الإحصاء الاستثنائي، أو مصير مكتومي القيد وحتى مستوى الحقوق السياسية و القومية . في المقابل، طرح سابقًا فكرة تجنيس المقاتلين الأجانب وسحب الجنسية من الأجانب الذين جنّسهم النظام ، مما يطرح تساؤلات عن أولوياته الحقيقية.
هذا التجاهل يزيد من قلق الكورد حول مستقبلهم في سوريا، خاصة مع وجود مخاوف من إعادة المناطق الكوردية إلى نقطة الصفر، كما كانت قبل اندلاع الثورة السورية او حتى أسوأ.

في حال استمرت هيئة تحرير الشام بالتهرب من القضايا الأساسية، فإن سيناريوهات خطيرة قد تبرز، منها: مخاوف فيما تتعلق بمصير المكونات: قد تؤدي أي موجة انتقامية أو سياسة تهميشية إلى تصعيد التوترات الطائفية واستهداف العلويين والدروز والمكونات الأخرى و بالتالي فوضى عارمة أو حتى حرب أهلية. أيضا الموقف من القضية الكوردية: مع وجود قسم من المناطق الكوردية تحت الاحتلال التركي وقسم آخر تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يبرز سؤال كبير حول مصير هذه المناطق هل ستبقى هكذا؟ يحتل الجيش التركي جزءًا كبيرًا من كوردستان سوريا، ما يعطيه نفوذًا قويًا في تقرير مصير الكورد بما يضمن مصالحها على حساب إضعاف القضية الكوردية في سوريا، خصوصاً فيما يخص درجة الاعتراف بالحقوق الكوردية. هل ستكتفي الحكومة المستقبلية باعتراف رمزي بوجودهم، أم ستكون هناك حقوق ثقافية ولغوية محدودة أم حقوق سياسية وحتى فيدرالية؟

مع وجود تيارات كوردية مختلفة تابعة لقوى خارجية، مثل المجلس الوطني الكوردي المدعوم من إقليم كوردستان، وحزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط بحزب العمال الكوردستاني، يظهر غياب قيادة موحدة ومستقلة للكورد في سوريا.
جبهة كوردستان سوريا، المعلنة حديثاً، تبدو اليوم الأكثر استقلالية في قرارها السياسي والتنظيمي، وتمتلك برنامجًا واضحا ً،لكن هذا لا يكفي. الكورد بحاجة إلى تنسيق أكبر وتوحيد خطابهم السياسي لضمان عدم التنازل عن حقوقهم القومية في أي مفاوضات مستقبلية. كما لا يجوز لأي طرف كوردي أن يتحاور بمفرده مع دمشق أو أن يعقد أي اتفاق أحادي الجانب باسم الكورد مع الإدارة الجديدة المتمثلة بالجولاني أو أي جهة أخرى.

إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD ) قطع علاقاته التنظيمية والفكرية مع حزب العمال الكوردستاني وخروج جميع عناصره من كوردستان سوريا، من شأنه أن يشكل خطوة ضرورية لبناء الثقة بين الأطراف الكوردية. إلى جانب ذلك، يجب أن تقوم العلاقات بين المجلس الوطني الكوردي (ENKS ) وإقليم كوردستان العراق على أسس الندية والاحترام المتبادل، وليس على أساس الآمر والمأمور.

الوحدة الكوردية ليست مجرد خيار استراتيجي بل ضرورة وجودية لضمان مشاركة فعالة في صياغة دستور سوريا المستقبل وتأمين وتثبيت هذه الحقوق دستورياً، تحقيق اتفاق كوردي شامل يعزز موقف الكورد في المفاوضات ويحمي حقوقهم القومية من محاولات التهميش أو الإقصاء.
لذلك ينبغي على الكورد ألا ينتظروا توضيح رؤية الجولاني أو غيره بشأن القضية الكوردية، بل يجب أن يبادروا بتحديد أولوياتهم ووضع خطط واقعية لمواجهة جميع السيناريوهات المحتملة.

وفي الوقت نفسه، على القوى الدولية والإقليمية ضمان عدم تحول سوريا إلى ساحة صراع طائفي أو ديني، والعمل على بناء دولة تعددية تحفظ حقوق جميع مكوناتها دون استثناء. “سوريا الطبيعية” التي تحدث عنها الجولاني يجب أن تكون دولة ديمقراطية وفيدرالية تحترم التنوع وتحمي حقوق جميع المكونات، وليس دولة تعيد إنتاج الاستبداد بواجهة جديدة.