نوروز، الفرق الفلكلورية، وطريق الحرية

بقلم د. طارق خيركي – نائب رئيس تيار الحرية الكوردستاني

العيد ظاهرة اجتماعية وتاريخية متجذرة في ثقافات الشعوب، فهو ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل حاجة فطرية تمنح الإنسان فرصة للراحة والتجدد، كما أنه يشكل عاملًا أساسيًا في توحيد المجتمع وتعزيز روابطه.

منذ 2725 عامًا، يحتفل الكورد بعيدهم القومي نوروز، الذي يعني “اليوم الجديد”، والذي يحمل في وجدان الشعب الكوردي رمزيةً تتجاوز كونه مناسبة سنوية، ليصبح عنوانًا للتحرر والحرية. في الأسطورة الكوردية، اختار الطاغية “زهاك” التضحية بالشباب، في محاولة للقضاء على الفكر المتجدد، ولكن كاوا الحداد أشعل شرارة الثورة، ليقود شعبه نحو الانعتاق من الظلم والاضطهاد، مسجلًا بذلك ملحمة خالدة في تاريخ البشرية.

تمثل ملحمة نوروز وكاوا الحداد واحدة من أبرز الملاحم الشعبية العالمية، حيث أغنت الإرث الثقافي والحضاري الكوردي، إلى جانب باقي الشعوب الآرية. وبفضلها، حافظت الأمة الكوردية على هويتها وأصالتها رغم محاولات الطمس والاستيعاب القسري. كما يتزامن عيد نوروز مع الاعتدال الربيعي، حيث يتساوى الليل والنهار، في دلالة رمزية على التوازن بين النور والظلام، وبين الحرية والاستبداد.

لكن بعد تقسيم كوردستان بين أربع دول، خاصة عقب الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، خضع كورد سوريا لسياسات التهميش والإنكار، التي تعمقت مع وصول حزب البعث إلى السلطة، حيث مُنع النشاط السياسي الكوردي، وجرى فرض القيود على التعبير الثقافي. ومع تصاعد القمع في ثمانينيات القرن الماضي، لجأت الحركة الكوردية إلى النضال الثقافي كأداة مقاومة، فكانت الفرق الفلكلورية إحدى أبرز وسائل التعبير عن الهوية القومية. من خلال المسرح، والأغنية القومية، والدبكات التراثية، نجحت هذه الفرق في الحفاظ على روح الانتماء وتعزيز الوعي الشعبي، موجهة رسالة واضحة للعالم بأن الكورد شعبٌ أصيل له ثقافته وتراثه وحقوقه التاريخية.
هذه الفرق في مراحل تاريخية كانت النظام السوري في أوج تسلطه ودكتاتوريته، حيث مُنعت هذه الفرق من تقديم عروضه الفنية والثقافية والسياسية والاجتماعية، فلجوا إلى التحضيرات والتدريبات السرية وتقديم عروضهم في يوم نوروز.
كما أن اعضائي هذه الفرق خاطروا بحياتهم من أجل إيصال رسالتهم حيث كانوا يتعرضون للأعتقال والأختطاف وملاحقات الأمنية ومنهم كان نصيبهم الفصل الوظيفي وحرمان من حقوقهم المدنية.
ولا يزال صدى مطرقة كاوا الحداد يتردد في آذان الكورد، ما دامت الحرية لم تكتمل بعد!