ارفع رأسك أنت كوردي حر

د. طارق خيركي – نائب رئيس تيار الحرية الكوردستاني

عنوان عريض يحمل في طياته دلالات ومفاهيم تنموية للإنسان الكوردي، سواء من بُعده النهضوي أو من منظور التنمية المستدامة. ما يدفعني إلى كتابة هذا المقال هو تخلّف شعبنا الكوردي عن مواكبة التطور العلمي والثقافي والتكنولوجي الهائل الذي حدث في شتى الميادين العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية.

لا شك أنه عندما نتصفح تاريخ الشعوب، نجد أن الكورد هم من أقدم الشعوب في الشرق الأوسط، وقد تعرضوا خلال تاريخهم لكل أنواع الظلم والاضطهاد من قبل الإمبراطوريات والحكومات المتعاقبة عبر مراحل زمنية مختلفة. وترسخ ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حين تم تقسيم كوردستان مجددًا بموجب اتفاقية سايكس–بيكو، ليختزل نضال الكورد في السعي نحو حريتهم وإثبات وجودهم على أرضهم التاريخية.

ولكن، ومن منظور تاريخي، وعلى الرغم مما عاناه الكورد من مآسي الظلم والاضطهاد، فقد كانت لهم إسهامات بارزة في شتى الميادين. فعند دراسة تاريخ شعوب المنطقة، نجد أن الكورد كانوا إلى جانب العرب والروم والعجم، وكان لهم دور فاعل في مجريات الأحداث. فعلى سبيل المثال، عندما هاجم السلاجقة بلاد الشام والعراق وبلاد فارس، برز الكورد مجددًا، وكانوا عاملًا رئيسيًا في دخول الأتراك إلى الأناضول. ومن رحم الدولة السلجوقية، نشأت الدولة الزنكية، التي أسسها آق سنقر وابنه عماد الدين زنكي، وهما من العناصر التركية، حيث استوليا على مناطق كوردية وأقاما واحدة من أروع القلاع والمدن التي لا تزال قائمة حتى اليوم، وهي مدينة العمادية، المنسوبة إلى عماد الدين زنكي.

أما في سوريا، فقد كان للكورد حضور بارز في الإنتاج السياسي والثقافي والتطور الاجتماعي، حيث شاركوا في جميع الميادين، إلا أن آمالهم خابت بسبب السياسات الشوفينية والعنصرية التي تعرضوا لها. والحديث في هذا المجال يطول، لكن ما يهمنا هو أن ندرك حاجتنا ككورد إلى نهضة فكرية، نستخلص منها العبر والدروس، ونسعى للاستفادة من الجوانب الإيجابية للتطور العلمي والتكنولوجي في ظل الغزو الفكري والثقافي.

وعلى الرغم من حملات القمع والاضطهاد وسياسات الانصهار القومي التي استهدفتهم، فقد حافظ الكورد على خصائصهم القومية وقيمهم الإنسانية. لقد بات واضحًا أن أي شعب يسهم في بناء الحضارة والثقافة الإنسانية والعلمية، عليه أن يناضل من أجل بناء كيانه السياسي والتحرر من الظلم والاضطهاد، ليحيا بحرية وسلام داخلي، وعندها سيتمكن من المساهمة الفاعلة في بناء الحضارة ومواكبة تطورات العصر بما يخدم الإنسانية جمعاء.

خلاصة القول

على الرغم من كل الانكسارات والإخفاقات، سنصرخ بصوت عالٍ: انهض ثم انهض من سباتك العميق، وتقدم نحو الأمام، فالمستقبل لك، وكوردستان بانتظارك… ارفع رأسك، أنت كوردي حر!