20250118 230741 0000

الكورد وحق تقرير المصير الخارجي بمواجهة سياسات الإنكار

جومرد حمدوش

في مقابلة السيد أحمد الشرع الأخيرة مع قناة الإخبارية السورية، تم تقديم وجهة نظر مفادها إنكار وجود كوردستان سوريا، وأن المنطقة ذات أغلبية عربية، وأن الكورد متناثرون فيها، وأن أي شكل من أشكال الحكم الذاتي أو الاستقلال قد يهدد استقرار المنطقة، بل ويمتد تأثيره إلى مناطق بعيدة مثل كتالونيا وإيرلندا الشمالية.

على الرغم من أن هذه التصريحات تضمنت دعوة واضحة إلى الحوار والتفاوض، وكذلك إشارة إلى أن المناطق الكوردية تستحق خصوصية ضمن الحلول المطروحة، إلا أن القراءة المتأنية تكشف أيضاً عن رسائل مبطنة تتضمن تحذيرات للكورد من تجاوز ما تسمح به الحكومة المؤقتة، بما يتعارض مع توجهاتها المركزية الرافضة لأي شكل من أشكال الاعتراف بالحقوق القومية.

من الناحية التاريخية، فإن إنكار وجود “كوردستان سوريا” يتجاهل حقيقة راسخة، فالكورد شكلوا الأغلبية السكانية في مناطقهم لعقود طويلة، كما توثق المصادر التاريخية المتنوعة، كالدفاتر الضريبية العثمانية من القرن 16–19، والإحصاءات والخرائط الفرنسية أثناء فترة الانتداب، وتقارير وزارة الخارجية الفرنسية في عشرينات القرن الماضي، وموسوعة لوريمر البريطانية (1908)، ناهيك عن مئات الوثائق الأخرى التي تؤكد وتثبت أن الوجود الكوردي ليس طارئاً، بل راسخ ومتجذر عبر القرون، وأن الكورد كانوا الأغلبية في مناطقهم التاريخية.

بعد سقوط النظام السوري وتشكيل هيئة تحرير الشام للحكومة المؤقتة، وخصوصاً بعد المجازر التي حصلت لأبناء الطائفتين العلوية والدرزية على أيدي مسلحي هذه الحكومة، واستمرار عقلية الانتقام والذبح في الشوارع وهتك الأعراض وإنهاء الآخر، ازدادت المخاوف على مستقبل كوردستان سوريا بشكل أكبر عما سبق، وثبت أنه يتوجب على الحركة الكوردية إجراء مراجعة نقدية وسياسية لسياساتها الحالية وكيفية تعاملها مع الحكومة المؤقتة. وظهر جلياً أن الفيدرالية باتت غير ممكنة مع هكذا سلطة أمر واقع، لذلك لم يعد للكورد خيار سوى البحث عن البديل الأفضل، ألا وهو حق تقرير المصير الخارجي.

تصريحات السيد أحمد الشرع تثبت أن الحكومة السورية المؤقتة غير مستعدة للاعتراف بالحقوق القومية للكورد، لذلك يجب توحيد الصفوف الكوردية سياسياً لتجاوز الانقسامات الداخلية التي تُضعف موقفهم، وتحريك الشارع الكوردستاني في سوريا والمهجر لإيجاد ضغط شعبي مستمر يدعم هذه المطالب، وفي الوقت نفسه تنسيق الجهود الدبلوماسية بين مختلف الأطراف الكوردية السورية لضمان إيصال الرسالة بوضوح إلى المجتمع الدولي والحفاظ على شرعية المطالب. رغم وجود رغبة واضحة لدى الشارع الكوردي لدفع هذه المطالب إلى الأمام، إلا أن غياب قيادة قادرة على توجيه الحراك إلى بر الأمان يمثل العقبة الأساسية، والفرصة الحالية قد لا تتكرر وربما تُؤجَّل لعقود طويلة إذا لم تُستثمر بالشكل المطلوب الآن.

فحق تقرير المصير ليس امتيازًا تمنحه أي حكومة أو سلطة، بل هو مبدأ أساسي في القانون الدولي، نصت عليه المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، وأكدته قرارات الجمعية العامة مثل القرار 1514 حول إنهاء الاستعمار، والقرار 2625 حول العلاقات الودية بين الدول.

على الرغم من أن تصريحات السيد أحمد الشرع تضمنت مؤشرات إيجابية للحوار والتفاوض السلمي، إضافة إلى حديثه عن إعطاء الخصوصية للمناطق الكوردية، إلا أن الرسائل المبطنة تتضمن تهديدات واضحة: التعاون أو التكيف مع السلطة المركزية يُشترط عليه تجنب أي مطالب مستقلة، وإلا فإن الحرب والضغط قد يصبحان خياراً وارداً. هذه الرسائل تُظهر أن الطرف الآخر يعتمد على لغة القوة المبطنة للضغط على الكورد، في حين يحاول إظهار نفسه كمؤيد للحل السلمي.

إن معالجة القضية الكوردية في سوريا لا يمكن أن تتم عبر الإنكار أو الخطاب التهديدي المبطن، بل تبدأ بالاعتراف بوجود كوردستان سوريا وبحقوق الكورد المشروعة وفق القانون الدولي، مع ضمان أن يكون لهم دور واضح في أي تسوية سياسية مستقبلية، بما يحقق استقرار المنطقة ويحفظ الحقوق الأساسية للشعب الكوردي. وإن تعذّر ذلك، فالخيار الأنسب هو الاستقلال.