جومرد حمدوش
تظهر برامج معظم المرشحين لعضوية مجلس الشعب عن دائرة عفرين وكذلك البيان الأخير للمجلس الوطني الكوردي في عفرين قفزاً واضحاً فوق النقاش الجوهرّي بشأن الحقوق القومية للشعب الكوردي. فقد تجنب معظم المرشحين في برامجهم التطرق بشكل مباشر إلى الاعتراف بالكورد كشعب له حقوقه التاريخية والسياسية وفق القانون الدولي، واكتفوا بالإشارة إلى نوع من الإدارة المحلية دون ربط ذلك بحقوق قومية واضحة أو بالحق في إدارة شؤونهم. ولم يُذكر في تلك البرامج مصطلح “الديمقراطية” بشكل واضح، في سيناريو يحاكي توجهات الحكومة الانتقالية الحالية، وكأن الحقوق الكوردية خطوط حمراء غير قابلة للمس.
من بين معظم البرامج الانتخابية، هناك برنامج واحد على الأقل يتناول بصراحة حقوق الشعب الكوردي، حيث يؤكد على ضرورة أن تكون سوريا فيدرالية، مع منح كل منطقة الحق في إدارة شؤونها بنفسها، أي اعتماد اللامركزية السياسية في تقاسم السلطة. كما يشدّد البرنامج على أن تكون اللغة الكوردية لغة رسمية إلى جانب العربية في المناطق الكوردية. ومع ذلك، لم يشِر البرنامج إلى أن تكون كوردستان سوريا وحدة إدارية وسياسية موحدة. ومن المتوقع أن مثل هذه المطالب قد لا تُعجب السلطات في دمشق، ومن المرجح أن صاحب هذا البرنامج لن يحصل على النصيب في الوصول إلى البرلمان.
الأدهى أن معظم البرامج الانتخابية الأخرى لا تتناسب عمليًا مع طبيعة مهام مجلس الشعب، فهي أقرب إلى وعود خدمية أو بلدية، بينما دور النائب الحقيقي هو التشريع والرقابة على عمل السلطة التنفيذية، وليس التعهد بإعادة إعمار أو مشاريع خدمية. هذا الخلط يعكس إما ضعف فهم واضح لدور المجلس أو محاولة متعمدة للتهرب من النقاش حول القضايا الجوهرية، وعلى رأسها الحقوق القومية للشعب الكوردي.
إن هذا التجنب يعكس إما ضعف الجرأة السياسية أو رغبة في كسب رضا السلطات، بحيث تتحول المطالب القومية إلى مطالب شكلية وثقافية محدودة، لا تتجاوز حقوقاً إدارية. المرشحون الحزبيون لم يجرؤوا على المطالبة بما تدعو إليه أحزابهم القومية الكوردية، كأن تكون سوريا اتحادية، أو الاعتراف الصريح بعفرين كجزء من كوردستان سوريا، بل تعاملوا مع الأمر كما لو أن المنطقة ليست كوردية بالكامل. حتى البيان الرسمي للمجلس الوطني المتعلق بتدريس اللغة الكردية لم يتعد حدود المطالب الثقافية، واكتفى بالإشارة إلى “المناطق ذات الأغلبية الكوردية”، متجاهلاً البعد القومي والتاريخي لعفرين.
الانتخابات الحالية مسرحية ولا تمثل انتخابات حقيقية. لا توجد آليات اقتراع مباشر تمنح المواطنين حق التعبير عن إرادتهم، إذ تُتخذ القرارات فعليًا بواسطة اللجان الفرعية، التي تحدد من ينجح ومن لا ينجح بعد المقابلة، خصوصاً مع غياب إحصاء سكاني عادل يحدد عدد المقاعد في كل منطقة.
إضافة إلى ذلك، معظم الأحزاب السياسية الكوردية في كوردستان سوريا تركز اهتمامها على مناطق سيطرة قوات قسد، وتتجنب التدخل في عفرين، تاركةً سكانها أمام واقعهم السياسي. هذه الأحزاب لم تخض الانتخابات، لكنها انتقدت تهميش دورها في تشكيل الحكومة المؤقتة، وكذلك الإعلان الدستوري، وتدعو إلى اتفاق سياسي مع دمشق. لكن أعضاءها في عفرين ترشحوا للانتخابات! واعتبرزا أن عفرين تحررت عام 2018! كيف يمكن لأعضاء هذه الأحزاب الترشح لمجلس الشعب، بينما في الوقت نفسه لا يوجد اتفاق سياسي مع دمشق؟ قد يقول المرء أن هذه الأحزاب تتعامل بوجهين مع عفرين! القضية الكوردية لا تختزل في منطقة واحدة، وأي محاولة لعزل عفرين عن بقية مناطق كوردستان سوريا تمثل تراجعًا عن الالتزام بالحق القومي المشترك.
غياب الاعتراف بحقوق الكورد، والاكتفاء بالحديث عن شكل من أشكال الإدارة المحلية، يعكس ضعف الجرأة السياسية وعدم الالتزام الحقيقي بمبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية، ويطرح السؤال: هل هذا التجاهل نابع من ضعف سياسي أم من سعي للمناصب؟
وفي الختام، فإن غياب مشاركة الحركة السياسية الكوردية يضعف الشرعية لأي عملية سياسية على عموم سوريا، ويحوّل المشاركة الفردية إلى عنصر يضعف موقف الكورد في التفاوض ويزيد من أوراق الضغط لدى السلطات في دمشق. لذلك، مقاطعة هذه “مسرحية التعيينات” والوقوف إلى جانب الحركة السياسية الكوردية هو الخيار الأصح لتقوية موقف الشعب الكوردي. فأي مشاركة فردية يجب أن تسبقها خطوة أساسية، وهي اعتراف واضح بالكورد وحقوقهم القومية بموجب اتفاق سياسي صريح، وإلا فإن المشاركة ستكون بمثابة منح مجانية تمنح السلطات ذريعة للقول إن الكورد ممثلون داخل السلطة، دون الحاجة للتفاوض مع الحركة السياسية الكوردية.